قال تعالى: فما لهم عن التذكرة معرضين، كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة (سورة المدثر الآيات 49-51). يصور المولى عز وجل المشركين وهم فارون من القرآن ومن دعوة الحق بالحمير الوحشية النافرة والأسد وراءها، والحمير تجري فرارا بحياتها، أي أن المشركين يهربون من الجنة إلى النار. ومشهد حمر الوحش وهي مستنفرة تفر في كل اتجاه، حين تسمع زئير الأسد وتخشاه، مشهد يعرفه العرب، وهو مشهد عنيف الحركة وحين يشبه به الآدميون حين يخافون! فكيف إذا كانوا إنما ينفرون هذا النفار الذي يتحولون به من آدميين إلى حمر، لا لأنهم خائفون مهددون، بل لأن مذكرا يذكرهم بربهم وبمصيرهم، ويمد لهم الفرصة ليتقوا ذلك الموقف الزري المهين، وذلك المصير العصيب الأليم؟
شجاعة وشهامة
الأسد أشرف حيوان متوحش، فمنزلته منزلة الملك المهاب لقوته وشجاعته وقساوته وشهامته وجهامته وشراسة خلقه. ويضرب به المثل في القوة والنجدة والبسالة وشدة الإقدام، والجرأة والصولة ومنه قيل لحمزة بن عبد المطلب أسد الله. والأسد من السباع معروف وجمعه أسود وأُسد وآسد وآساد، والأنثى أسدة، ولبؤة. وولد الأسد هو: الشبل، والحفص، والفرهد. وللأسد أسماء كثيرة من أشهرها: أسامة والبيهس والحارث وحيدرة والرئبال والضيغم والغضنفر والقسورة والليث والورد. ومن كناه: أبو الأبطال، وأبو حفص، وأبو شبل، وأبو العباس، وأبو الحارث.
وللأسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع ومن شرف نفسه أنه لا يأكل من فريسة غيره، فإذا شبع من فريسته تركها ولم يعد إليها. وإذا جاع ساءت أخلاقه، وإذا امتلأ من الطعام ارتاض، ولا يأكل بقايا الشيء، ولا يعتدي على فريسته إلا إذا كان جائعا ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب. وإذا أكل نهس (أخذ اللحم بمقدم أسنانه) من غير مضغ، وريقه قليل جدا ولذا يوصف بالبخر (النتن في الفم).
ويوصف الأسد بالشجاعة والجبن معا، فمن جبنه أنه يفزع من صوت الديك، ويتحير عند رؤية النار. وهو شديد البطش ويعمر كثيرا وعلامة كبره سقوط أسنانه. وزئيره يرهب كثيرا من الحيوان الذي هو أعظم منه جسما وقوة. وللأسد ثلاثة طبائع: الأول أنه إذا مشى فشم ريح الصيادين طمس آثاره بذنبه لكي لا يتبعه الصيادون، ويصلوا إلى عرينه فيتصيدوه. والثاني أن اللبؤة تلد شبلها أشبه بالميت فلا تزال تحرسه حتى يأتي أبوه في اليوم الثالث فينفخ في منخره فيتحرك! والثالث أنه يفتح عينيه إذا نام وهما يقظتان.
ومن المعروف أنه أكبر حيوان سنوري بعد النمر، ولهذا يطلق عليه: ملك الغابة وهو من آكلات اللحوم. ويعيش الأسد في إفريقيا وآسيا في الغابات، حيث تكثر الغزلان والظباء. واللبؤة هي التي تقوم بمهمة الصيد غالبا وتلد بعد حمل يدوم ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وتضع اثنين أو ثلاثة من الأشبال. ويكون حجم الشبل عند الولادة في حجم الهرة. وفي الشهر السادس أو الثامن تقريبا يرافق أمه في تجوالها وصيدها ليأخذ درسا في كيفية الصيد على يديها!
ويعمر الأسد من عشرين إلى خمس وعشرين سنة ويبلغ طوله حوالي 12قدما، وقد يصل وزنه إلى حوالي 600 رطل. وإذا جاع يأكل حوالي سبعة أرطال من اللحم خلال الوجبة الواحدة، وتميل الأسود للعيش في قطعان.
ويحرم أكل الأسد لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام. والمراد بذي الناب: ما يتقوى بنابه ويصطاد.
في السنة النبوية
وجاء في السنة النبوية بشأن الأسد عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا أو سافر فأدركه الليل قال يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما دب عليك، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد ومن شر والد وما ولد.
وعن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية (حفرة) للأسد فبينا هم كذلك يتدافعون، إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق رجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم فقاموا أولياء الأول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي رضي الله عنه على تفيئة ذلك فقال: تريدون أن تقاتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي؟ إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء وإلا حجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له، اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول الربع لأنه هلك من فوقه وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية. فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة فقال: أنا أقضي بينكم واحتبي. فقال رجل من القوم: إن عليا قضى فينا فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء اخوة لعلات، دينهم واحد، وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه: فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، بين ممصرتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويعطل المال حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعا، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان والغلمان بالحيات لا يضر بعضهم بعضا، فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه.
وعنه أيضا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فر من المجذوم فرارك من الأسد.
تعليقات
إرسال تعليق